محمد فتحي يونس- الشرارة الأولى بدأت مع حديث تليفزيوني قبيل أربع سنوات مع المذيع عمرو الليثي، أطلقت فيه "هدى عبد الناصر" قذائفها الثقيلة، السادات قتل أبي بالسم، بعد أن وضعه له في كوب مليء بعصير المانجو، قتله لأن الرئيس المؤمن- فيما بعد- كان عميلا للمخابرات الأمريكية ويتقاضى خمسة آلاف دولار شهريا.
انتفضت "رُقية" السادات لحدة الاتهامات، وتوجهت الى القضاء مطالبة هدى بدفع 10 ملايين جنيه تعويضا، وبعد عدة مراحل للتقاضي حكمت محكمة جنح مستأنف شمال القاهرة بتعويض قدره 150 ألف جنيه. وأعلنت هدى في حوار صحافي مع جريدة "الأسبوع" أنها لن تدفع المبلغ، وأنها مصرة على تصريحاتها السابقة، بينما قالت لي "رقية السادات" إنها لن تتنازل وستأخذ المبلغ رغما عنها، لأنها تخشى أن يذكر التاريخ أن والدها الرئيس السادات اتُّهم بالقتل، وسكت أبناؤه.
ثم استطردت قائلة: عمي جمال هو الذي ربّاني.. لكنني لن أتنازل إلا إذا اعتذرت علانية عن اتهاماتها، وإذا لم تعتذر سأنفذ الحكم، وسأتبرع بالمبلغ صدقة جارية على روح والدي، لكنني لن أحدد الجهة المستفيدة منه لأن والدي علمني أن الصدقة من شروطها أن تكون سرية "ولا تعلم يسراك ما تنفقه يمناك".
وبعد يومين من حديثي مع رقية كان المحامي سمير صبري الذي يدافع عن عائلة السادات متطوعا لحبه للرئيس الراحل يخبرني هاتفيا أيضا أنه في طريقه إلى كسر شقة هدى للحجز عليها، كما سيحجز على أرصدتها في البنوك، وسيضطر الى كسر باب الشقة بعد الحصول على إذن قانوني يتيح له ذلك، ثم يعين هدى حارسة على تلك الأموال المحجوز عليها قبل أن تباع في مزاد علني يسدد من عائده مبلغ التعويض.
في نفس اللحظة طلب سامح عاشور محامي هدى ونائب رئيس الحزب الناصري مساندة الناصريين المعنوية لهدى بعد استنفاذ السبل القانونية في معركتها مع رقية، ثم تراجعت هدى سريعا، ودفعت عبر محاميها مبلغ الغرامة، معلنة أنها لن تعتذر، ولن تتنازل عن آرائها السابقة في حق السادات.
انتهت المعركة إذن، لكن إعادة قراءة مشاهد النزال المتكررة فيها خلال أربع سنوات، وعبر ميادين كثيرة منها المحاكم والصحافة والمحطات الفضائية، ستكشف لنا أن الابنتين كانتا تحاربان بعضهما بأسلحة أبويهما الشهيرة. فرقيّة التي بدت في حديثها معي متقمصة لطريقة السادات المميزة والشيقة والودود في الحكي، راهنت على التاريخ مثلما كان والدها يراهن كثيرا عليه، باختيار قبر مميز بجوار النصب التذكاري للجندي المجهول، أو باعتباره أول من بادر بالسلام، وأول من عبر الى العدو الإسرائيلي وحقق انتصارا.
ومثلما كان يتكلم كثيرا عن الديموقراطية، ثم يبرر قمعه لمعارضيه بأن "الديمقراطية لها أنياب"، لجأت رقية الى القانون لتثبت للرأي العام أن أنيابها في الانتقام تتخذ السبل الشرعية والقانونية. وحتى عندما تحدثت عن مبلغ التعويض، تقمصت شخصية الرئيس المؤمن، مستعينة بالدين وآلياته لتبرير مقصدها، مذكّرة بأن والدها علمها أن الصدقة لا بد أن تكون سرية. كما احتفظت بمفردات والدها الودود كفلاح يفهم معنى "العيش والملح"..
كررت كثيرا لفظ "عمي جمال" عند حديثها عن الرئيس عبد الناصر، برغم القطيعة المعروفة بين العائلتين، بل وبين التيارين الناصري والساداتي بعد أن اتهم أنصار الأول السادات بأنه مسح طريق الثاني بأستيكة "ممحاة"، واتهم أنصار الثاني الأول بأنه أضاع مصر لتحقيق أوهام.
هدى بدورها استعانت بأسلحة أبيها، خطاب المؤامرة لتثوير الناس، وحشد المؤيدين، الحديث الصارم وعدم التراجع بسهولة، وحتى إذا تراجعت فليكن التراجع جزئيا.. تراجعت عن قرارها بعدم الدفع، وبرغم ذلك خرجت على الناس بأنها لم تتراجع عن اتهامها للسادات بالقتل، لتظهر صلابتها رغم خسارتها المادية.
كان عبد الناصر ينتهج هذا النهج كثيرا، يشوه خصومه مستعينا بالناس، يفاجئهم بصدمات كبيرة في أشخاص يتعلقون بهم، يتمسك بقراراته، يراهن على الناس في انكساراته مثلما فعل عقب النكسة، ولم يخذله الناس. دائما ما يظهر قوته في أشد اللحظات انكسارا، يضحي بصحته وماله وربما عمره في سبيل عدم التراجع، حتى لو كانت القرارات خاطئة، ومتسرعة، وربما بلا دليل.
لكن الفارق بين هدى وأبيها، أن الجماهير لم تعد تتحمس لمعارك تستنزف جهودها وقوتها، ثم تكتشف أنه كان من الممكن تجنبها.. وتمر الأيام بلا صخب.
*****************
عن السياسي
انتفضت "رُقية" السادات لحدة الاتهامات، وتوجهت الى القضاء مطالبة هدى بدفع 10 ملايين جنيه تعويضا، وبعد عدة مراحل للتقاضي حكمت محكمة جنح مستأنف شمال القاهرة بتعويض قدره 150 ألف جنيه. وأعلنت هدى في حوار صحافي مع جريدة "الأسبوع" أنها لن تدفع المبلغ، وأنها مصرة على تصريحاتها السابقة، بينما قالت لي "رقية السادات" إنها لن تتنازل وستأخذ المبلغ رغما عنها، لأنها تخشى أن يذكر التاريخ أن والدها الرئيس السادات اتُّهم بالقتل، وسكت أبناؤه.
ثم استطردت قائلة: عمي جمال هو الذي ربّاني.. لكنني لن أتنازل إلا إذا اعتذرت علانية عن اتهاماتها، وإذا لم تعتذر سأنفذ الحكم، وسأتبرع بالمبلغ صدقة جارية على روح والدي، لكنني لن أحدد الجهة المستفيدة منه لأن والدي علمني أن الصدقة من شروطها أن تكون سرية "ولا تعلم يسراك ما تنفقه يمناك".
وبعد يومين من حديثي مع رقية كان المحامي سمير صبري الذي يدافع عن عائلة السادات متطوعا لحبه للرئيس الراحل يخبرني هاتفيا أيضا أنه في طريقه إلى كسر شقة هدى للحجز عليها، كما سيحجز على أرصدتها في البنوك، وسيضطر الى كسر باب الشقة بعد الحصول على إذن قانوني يتيح له ذلك، ثم يعين هدى حارسة على تلك الأموال المحجوز عليها قبل أن تباع في مزاد علني يسدد من عائده مبلغ التعويض.
في نفس اللحظة طلب سامح عاشور محامي هدى ونائب رئيس الحزب الناصري مساندة الناصريين المعنوية لهدى بعد استنفاذ السبل القانونية في معركتها مع رقية، ثم تراجعت هدى سريعا، ودفعت عبر محاميها مبلغ الغرامة، معلنة أنها لن تعتذر، ولن تتنازل عن آرائها السابقة في حق السادات.
انتهت المعركة إذن، لكن إعادة قراءة مشاهد النزال المتكررة فيها خلال أربع سنوات، وعبر ميادين كثيرة منها المحاكم والصحافة والمحطات الفضائية، ستكشف لنا أن الابنتين كانتا تحاربان بعضهما بأسلحة أبويهما الشهيرة. فرقيّة التي بدت في حديثها معي متقمصة لطريقة السادات المميزة والشيقة والودود في الحكي، راهنت على التاريخ مثلما كان والدها يراهن كثيرا عليه، باختيار قبر مميز بجوار النصب التذكاري للجندي المجهول، أو باعتباره أول من بادر بالسلام، وأول من عبر الى العدو الإسرائيلي وحقق انتصارا.
ومثلما كان يتكلم كثيرا عن الديموقراطية، ثم يبرر قمعه لمعارضيه بأن "الديمقراطية لها أنياب"، لجأت رقية الى القانون لتثبت للرأي العام أن أنيابها في الانتقام تتخذ السبل الشرعية والقانونية. وحتى عندما تحدثت عن مبلغ التعويض، تقمصت شخصية الرئيس المؤمن، مستعينة بالدين وآلياته لتبرير مقصدها، مذكّرة بأن والدها علمها أن الصدقة لا بد أن تكون سرية. كما احتفظت بمفردات والدها الودود كفلاح يفهم معنى "العيش والملح"..
كررت كثيرا لفظ "عمي جمال" عند حديثها عن الرئيس عبد الناصر، برغم القطيعة المعروفة بين العائلتين، بل وبين التيارين الناصري والساداتي بعد أن اتهم أنصار الأول السادات بأنه مسح طريق الثاني بأستيكة "ممحاة"، واتهم أنصار الثاني الأول بأنه أضاع مصر لتحقيق أوهام.
هدى بدورها استعانت بأسلحة أبيها، خطاب المؤامرة لتثوير الناس، وحشد المؤيدين، الحديث الصارم وعدم التراجع بسهولة، وحتى إذا تراجعت فليكن التراجع جزئيا.. تراجعت عن قرارها بعدم الدفع، وبرغم ذلك خرجت على الناس بأنها لم تتراجع عن اتهامها للسادات بالقتل، لتظهر صلابتها رغم خسارتها المادية.
كان عبد الناصر ينتهج هذا النهج كثيرا، يشوه خصومه مستعينا بالناس، يفاجئهم بصدمات كبيرة في أشخاص يتعلقون بهم، يتمسك بقراراته، يراهن على الناس في انكساراته مثلما فعل عقب النكسة، ولم يخذله الناس. دائما ما يظهر قوته في أشد اللحظات انكسارا، يضحي بصحته وماله وربما عمره في سبيل عدم التراجع، حتى لو كانت القرارات خاطئة، ومتسرعة، وربما بلا دليل.
لكن الفارق بين هدى وأبيها، أن الجماهير لم تعد تتحمس لمعارك تستنزف جهودها وقوتها، ثم تكتشف أنه كان من الممكن تجنبها.. وتمر الأيام بلا صخب.
*****************
عن السياسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق