لقد خلق الله الرحمَ، وشقَقَ لها اسمًا من اسمِه، ووعَد ربُّنا جلّ وعلا بوصلِ مَن وصلَها، ومَن وصله الرحيمُ وصله كلُّ خير ولم يقطَعه أحد، ومن بتره الجبار لم يعله بشرٌ وعاشَ في كمد { وَمنيهنِ اللهُ فما لهُ من مكرِمٍ } والله يُبقي أثرَ واصلِ الرّحم طويلاً، فلا يضمحلّ سريعا كما يضمحلّ أثر قاطعِ الرّحم، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام " قال الله للرّحم : أما ترضينَ أن أصلَ من وصلك وأن أقطعَ من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذاك لك " [متفق عليه] "والرحمُ معلّقة بالعرش تقول : مَن وصلني [وصله الله] ومن قطعني [قطعه الله] " .
*صلةُ الرّحم تدفَع بإذن الله نوائبَ الدّهر، وترفع بأمرِ الله عن المرء البَلايا، لمّا نزل على المصطفى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } رجع بها ترجِفُ بوادرُه حتّى دخل على خديجةَ فقال : " زمِّلوني " فأخبرَها الخبَر، وقال " قد خشيتُ على نفسِي " فقالت له: كلاّ والله، لا يخزيكَ الله أبدًا إنّك لتصلُ الرّحم، وتحمِل الكَلَّ ، وتكسِب المعدومَ، وتَقري الضّيف [رواه البخاري] .
*صلةِ الرّحم أُسُّ بِناء الحياة، محبّةُ للأهل، وبَسطُ الرّزق، وبركةُ العُمر، يقول " صِلة الرّحم محبّةٌ في الأهل، مثراة في المالِ، منسَأَة في الأثر" [رواه أحمد] وعند البخاريّ ومسلم " من أحبَّ أن يُبسَط له في رزقه ويُنسَأ له في أثَره فليصِل رحمَه " قال ابن التّين : " صلةُ الرّحم تكون سببًا للتوفيقِ والطاعةِ والصيانةِ عن المعصيةِ، فيبقى بعدَه الذكرُ الجميل فكأنه لم يمُت " .
* ِصلة الحرم عبادةٌ جليلة من أخصِّ العبادات، يقول عمرو بن دينار: "ما من خطوةٍ بعد الفريضةِ أعظمُ أجرًا من خَطوةٍ إلى ذي الرّحم " ثوابها معجل في الدنيا ونعيمٌ مدَّخرَ في الآخرة ، قال " ليس شيء أُطيعَ اللهُ فيه أعْجل ثوابا من صلةِ الرحم " [رواه البيهقيّ] والقائمُ بحقوقِ ذوي القربَى موعودٌ بالجنـة ، يقول عليه الصلاة والسلام " أهلُ الجنة ثلاثة : ذو سلطانٍ مقسط ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلب بكلّ ذي قُربى ومسلم ، ورجلٌ غنيّ عفيف متصدِّق " [رواه مسلم] .
*صلة الرحم تقوَي المودَّة وتزيدُ المحبَّة وتتوثق عرى القرابةِ وتزول العداوةُ والشّحناء، فيها التعارفُ والتواصلُ والشعور بالسّعادة .
*صلة الرّحم والإحسانُ إلى الأقربين طرقها ميسرة وأبوابها متعددة، فمن بشاشةٍ عند اللقاء ولينٍ في المُعاملة ، إلى طيبٍ في القول وطلاقةٍ في الوجه ، زياراتٌ وصِلات، مشاركةٌ في الأفراح ومواساةٌ في الأتراح، وإحسانٌ إلى المحتاج ، وبذلٌ للمعروف ، نصحُهم والنّصحُ لهم ، مساندةُ مكروبِهم وعيادةُ مريضهم، الصفحُ عن عثراتهم ، وترك مُضارّتهم، والمعنى الجامِع لذلك كلِّه: إيصالُ ما أمكَن من الخير، ودفعُ ما أمكنَ منَ الشرّ .
*صلةُ الرحم أمارةٌ على كرَم النفس وسعةِ الأفق وطيبِ المنبتِ وحسن الوَفاء، ولهذا قيل: من لم يصلحْ لأهله لم يصلحْ لك، ومن لم يذُبَّ عنهم لم يذبَّ عنك، يقدِم عليها أولو التذكرةِ وأصحابِ البصيرة {أفمنْ يعلمُ أَنما أُنزِلَ إِليكَ منْ ربكَ الحقُّ كمنْ هوأَعمى إِنما يتذَكرُ أُوْلوا الأَلباب}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق