الخميس، ١٨ فبراير ٢٠١٠

رحلة وادي النيل وأثار مصر

الجزء الأول من رحلة وادي النيل


أهلا وسهلاً بكم مع الباحث الجغرافي والرحالة أخوكم حمد العسكر في هذه الرحلة الخارجية

أتمنى أن تسعدوا معي وأن تخرجوا بالمعرفة والمتعة والفائدة


أخي القارئ هذه الرحلة ليست دعوة مني إلى السياحة أو الزيارة بقدر ما هي نقل لإطلاعي ومشاهداتي هناك

أخي القارئ لكي لا يتشتت ذهنك في سرد تفاصل الرحلة فإنه يتوجب عليك قراءتها بتأني وربطها بالخرائط التوضيحية المرفقة ، ولكي تكسب المزيد من المعرفة خلال الرحلة يلزم تتبع مراحلها مرتبة على النحو التالي :

ينقسم الجزء الأول من رحلة وادي النيل إلى سبع مراحل

المرحلة الأولى : عبور الحدود وإجراءات الدخول

المرحلة الثانية : سفاجة - قنا - الأقصر

المرحلة الثالثة : اسنا - ادفو - أسوان - السد العالي - أبو سنبل

المرحلة الرابعة : درب الأربعين - شرق العوينات - الصحراء الكبرى - الواحات موط .. سهل الزيات .. خارجة

المرحلة الخامسة : أسيوط والنيل إلى القاهرة

المرحلة السادسة : مرور سريع ببعض مدن الدلتا والعلمين - الإسكندرية - رشيد - دمياط

المرحلة الأخيرة : بور سعيد - قناة السويس - حرف V شبه جزيرة سيناء - شرم الشيخ - دهب - كاترين - النويبع

هذه الصفحة تحتوي على جميع مراحل الرحلة .. ومن يعاني بطئ الاتصال عليه فتح كل مرحلة على حدة

وإذا لم تظهر بعض الصور عليك أيضاً تصفح كل مرحلة على حدة

************* ************ *************

أعتذرعن تأخيري لطرح رحلات اليمن والقرن الأفريقي وعمان وبلاد الشام .. التي مضى عليها أكثر من خمس سنوات .. وأقدم هذه الرحلة الحديثة لهذا الجزء من الوطن العربي.


وادي النيل العظيم


وجهة الرحلة

وادي النيل والدلتا وأجزاء من الصحراء الغربية وشبه جزيرة سيناء ( بعضاً من الجزء الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا - الصحراء الكبرى ) .. وهذا الجزء الأول من رحلة وادي النيل العظيم



خريطة توضح خطة سير الرحلة في جمهورية مصر العربية


* * * * * * *

المرحلة الأولى

عبور الحدود وإجراءات الدخول


كانت الرحلة ضيقة الوقت عندما حانت ساعة الصفر التي يصعب التراجع فيها عن القرار ... لذلك كانت سريعة ومرت كالحلم أمام ناظري ... إلا أنها غزيرة المعاني وبالغة التغطية وطويلة المسار وذات اتجاه أحادي للأمام فقد بلغ طولها في الأراضي المصرية قرابة 6400 كم ، دون الالتفاف للخلف والعودة للوراء.

وقد بدأت رحلتي في يوم الثلاثاء الموافق 4-12-1429هـ من مدينة الدلم جنوب الرياض سائراً بعون الله مسافة تزيد عن 1600كم إلى مدينة ضباء في الجزء الشمالي الغربي من بلادنا على ساحل البحر الأحمر .. وكان في صحبتي رفيق الدرب خالد بن راشد الحقباني الرجل الصابر المثابر..

وكنت قد حجزت بالهاتف باخرة تقلنا إلى مدينة الغردقة المصرية اسمها "الوفاء" ... ولأسباب غير معلومة تأخرت الباخرة عدة ساعات حتى تم استبدالها بباخرة أخرى لتتحول من الوفاء إلى الإخلاف .. الأمر الذي أجبرنا على المكوث بمدينة ضباء لبعض الوقت.



خريطة لخطة سيرنا في المرحلة الأولى موضحة بالمسافات





محدثكم أثناء الانتظار في مدينة ضباء قبيل الغروب



الاستعداد للرحلة بكافة مستلزماتنا ومستلزمات السيارة أمر مطلوب


وصلت عبارتنا البديلة "المتحدة" في ساعة متأخرة من الليل وصعدناها مع بزوغ الفجر.. لننتظر فيها بعض الوقت حتى تقلع نحو الغرب ...



المنفذ السعودي بميناء ضباء أثناء إجراءات الخروج التي استغرقت 10 دقائق فقط





في الأعلى إحدى البواخر الثقيلة بطيئة الحركة ... وهذه عبارة المتحدة السريعة التي أقلتنا على متنها



داخل الباخرة قبل شحن المركبات



سيارة نهاية الرحلة وقد شحنت داخل الباخرة


الجدير بالذكر أن المسئول عن قيادة السيارة وشحنها وإخراجها من الباخرة هو صاحبها فقط وهذا من الأمور البالغة الأهمية في نظري.





مقصورة الركاب من الداخل وهي رحبة جداً





صورة لأرض الوطن وهي تتراجع إلى الوراء بعد السير قرابة 10 دقائق





محدثكم وهو يراقب حركة الباخرة ويتضح من الجهاز سرعة الباخرة وهي 42كم/س





صورتين لمدينة الغردقة المصرية قبيل توقف الباخرة


وصلنا بحمد الله إلى بر الأمان الأراضي المصرية قبيل الغروب ... لنقضي أربع ساعات من المعاناة في جمرك ميناء الغردقة حيث إجراءات دخول السيارة التي تعتبر معاملة طويلة يشيب لها الرأس .. ويضحك منها العاقل .. وأمامك أمرين لإجرائها بغض النظر عن الوقت الذي لا بد من قضائه ما بين 3-4 ساعات. الأمر الأول أن تجد وما أكثرهم شخصاً من موظفي الميناء .. وهو يقوم بكامل الإجراءات مقابل 100 - 300 جنيه مصري حسب كرمك وجشعه والاتفاق ... والأمر الآخر أن تقوم أنت بتلك الإجراءات لتتعرف عليها ... وما تلبث أن تنسى نصفها بعد القضاء منها لكثرتها ... وستجد أن وزنك قد خف بعض الشيء ... رغم أن المكان صغير والمكاتب متقابلة ... وقد اخترت أنا وصديقي خالد أن نقوم بأنفسنا ونكمل المعاملة الشاقة لكي ندرك أبعادها ... وأذكر بعضاً من تلك الإجراءات ... جمرك خاص بالمركبة 512 جنيه ، تأمين على المركبة 500 جنيه ، ضريبة سياحة أو ماشابه 75 جنيه ، ورقة مفرقعات 80 جنيه ، ملف للمعاملة وصور للجواز والتريبتك وأخرى 20 جنيه ، يجب توفر طفاية حريق بالسيارة وزنها 2كجم ، ورغم توفرها لن تقبل حتى تدهن سير أخوك في الله ... 20 جنيه ، أو تشتري جديدة بـ 90 جنيه.

والحقيقة ما ذكرته جزء قليل والذي نسيته أعظم ... ولكن من العجائب التي صادفتني ... أن ضابطاً شاهد معي جهاز الملاحة GPS الجارمن ... وسأل عنه فأخبرته به وبعمله ... وسأل عن قيمته وذكرت له أنها تزيد عن 4000 جنيه .. فقال ممنوع دخوله الأراضي المصرية ... فأخبرته أنه سبق لي أن دخلت به ... وكنت أعرف مقصده ... ولكني أحببت أن أصل معه إلى النهاية لكي يتعلم درساً في فن التعامل مع الآخرين ... وأن يستخدم الطرق المثلى إذا أراد أن يكسب الود والعيدية ... قلت له أنت تقول ممنوع إذا قم بعمل الإجراءات النظامية وفق الأنظمة لديك وأحرص على أن توثقها في قسم الحجز وتسلمني إيصالا باستلامك الجهاز حتى عودتي ... وأنا سأبحث موضع مصادرته بالتفصيل في الوقت المناسب ...

فما كان منه إلا أن غضب وأخذ يرفع صوته (( أنا بكذب )) ... قلت له نعم أنت تكذب وفقاً للنظام ... فأمر أحد الجنود لديه بأخذ الجهاز وعرضه على الرئيس لديهم ... وأخذت أراقب ذلك الجندي فما كان منه إلا أن التف حول السيارات وعاد وقال للضابط الرئيس بيقول مشيه دي المره بمناسبة الحج والعيد ... فأعاد لي الجهاز وقال خذ يا باشا حضك كويس ... فقلت له أشكرك فحضك مش كويس معي .. فما كان بيننا سوى تبادل الابتسامات والضحك ...

والحقيقة الشعب المصري شعب رائع في تعامله بكل صوره فما زرت في حياتي دولة وأنا مسرور وعدت وأنا مزداد سروراً كزيارتي لمصر.. ويكفي أنه شعب مرح بكل ما تعنيه معاني الكلمة في كل أنحاء مصر ... رغم وجود خلاف ذلك وهم قلة.

قمنا بعد ذلك باستلام لوحات مصرية ... وأخذناها معنا داخل السيارة ... وبعد أن دخلنا مدينة الغردقة توقفنا عند إحدى الساحات وقمنا بفك لوحاتنا واستبدلناها بلوحات جمرك البحر الأحمر.



صورة لمعاملة إجراءات دخول المركبة ... المعاملة لم تكتمل بعد


ولا أنسى أن أذكر لمن يرغب السفر بالسيارة إلى مصر بعض الأمور المطلوبة قبل السفر

يجب عليك شراء دفتر تريبتك يباع عند مكاتب السياحة وفي المدن الرئيسة ومكاتب الشحن - وحجز الباخرة في وقت مبكر

كلفة الشحن للسيارات والأفراد على الباخرة السريعة : السيارة ( جيب - سوبر - وما شابه من فئة 6 - 8 سلندر ) 995 ريالا ذهاب فقط ... والسيارة الأصغر أقل بنسبة 25% تقريباً . والأفراد ( الأطفال مجاني - والكبار 410 ريال ... ) وتلك الأسعار تختلف من وقت لآخر حسب المواسم ... إلا أني أعتقد أنها الحد الأعلى. ومن أراد التوفير فإني أنصح المسافر الذي ليس لديه مشكلة في التوجه نحو مدينة حقل أن يسافر عبر ميناء العقبة الأردني .. حيث ستقل عليه الكلفة إجمالاً قرابة 29 %

ملاحظة : كلمة وادي النيل أشمل وأعم حيث يقصد بها حوض نهر النيل بما يحويه من مزارع وعمران وهي ما أشتهر على الألسن

وأما نهر النيل فتعني مجرى النهر ... لذلك أحببت التنويه حتى تفهم مواضع أذكر فيها وادي وأخرى نهر


* * * * * * *


المرحلة الثانية

سفاجة - قنا - الأقصر



خريطة توضح خطة السير في المرحلة الثانية من الرحلة


بعد أن بدلنا اللوحات توجهنا جنوباً نحو مدينة سفاجة 60كم .. قاصدين الطريق نحو وادي النيل ... مررنا بسفاجة ليلاً ... وابتعنا منع بعض الخبز والمشروبات وتوجهنا نحو الغرب باتجاه مدينة قنا ... وفي منتصف الطريق ... عند الساعة 9.30 م انحرفنا عن الطريق نحو الشمال .. قرابة 7كم حيث بتنا ليلتنا في الصحراء الشرقية الهادئة بعد أن تناولنا وجبة عشائنا ونفضنا عن أجسادنا ما لحق بنا من التعب.

والجدير بالذكر أن تضاريس الجزء الشرقي من مصر عبارة عن جبال البحر الأحمر قرب الساحل وهي جبال أقل ارتفاعا من جبال مدين ... وهي أرض جرداء وخالية من السكان تقريباً ... ويلي الجبال نحو الغرب الصحراء الشرقية التي تمتد من جبال البحر الأحمر إلى وادي النيل العظيم ... وهي صحراء جرداء خالية من النبات وفقيرة في التربة ... وتتخللها بعض الرواسب القديمة على شكل تلال صغيرة متفرقة ... ولا يزينها إلا الهدوء الذي يسودها وخاصة في الليل ... ومن خلال مشاهدتنا لها في الصباح ... لا يبدو أن أحدا يجوبها فلم نشاهد آثار سيارات أو حتى حيوانات ... وأعتقد والله أعلم أنها تحوي أثاراً قديمة مطمورة أسفلها.



صورة لمكان المبيت الذي قضينا فيه ليلتنا في هدوء ونوم عميقين


قد يتساءل البعض عن الأمن في مصر .. الأمن هناك على درجة عالية جداً ... بالنسبة للعرب والمسلمين ... والآخرين أعتقد أنهم أمنون في نطاق الحضارة .. وحول تساءل بعض القراء هل أنا وزميلي خالد نحمل سلاحاً معنا كما نحمله في كل رحلة ... أقول نعم نحمله بطريقة نظامية ولله الحمد ... ونحن نعرف أننا لن نحتاجه بأمر الله .. وإن احتجناه فقد يكون للصيد أو دفع صائل أو مفترس، ولله الحمد لم أرى له حاجة، لذلك لم يخرج من مخبئه ولم يره أحد حتى زميلي خالد إلى أن عدنا إلى أرض الوطن سالمين ..

قنا

في الصباح الباكر عدنا للطريق وواصلنا المسير نحو مدينة قنا التي دخلناها عند الساعة التاسعة صباحاً ... فأخذنا فيها جولة قصيرة ... ورأينا نهر النيل الذي يمكنني أن أصفه لكم كما يلي (( مجرىً مائياً يتراوح متوسط عرضه من 150-300م ... تحاذيه شرقاً وغرباً أراضٍ زراعية خصبه يتراوح متوسط عرضها من 3-6كم لكل جانب ... ثم يحاصر تلك الأراضي من الشرق والغرب هضبتان يطلق عليها مرتفعات تجاوزاً يبلغ متوسط ارتفاعهما 100م وهي تحاذي النيل من الجنوب "أسوان " إلى الفيوم جنوب القاهر ... بطول يصل إلى 800كم تقريباً ... وفي الجنوب قرب أسوان تضيق الأراضي الزراعية حتى تتلاشى لتصطك المرتفعات بالنهر وتضيق عليه ... )) وحول هذا المجرى وفي الدلتا شمال القاهرة ... يتركز أكثر من 90% من سكان مصر ... وما عدا ذلك هو صحاري فقيرة جداً جرداء قليلة الأمطار ... ذكر لي في بعض المناطق منها في الواحات أن الأمطار قد تتأخر عن السقوط من 4 - 7 سنوات والله المستعان.



صورة لمجرى نهر النيل من مدينة قنا .. لاحظ وجود المرتفعات الرسوبية غرب النهر خلف الزراع





صورة لإحدى القنوات "ترعة" تحاذي النهر لتسقي الأرضي الزراعية


الأقصر

مقدمة

(( مدينة الأقصر جزء من مدينة طيبة القديمة التى أطلق عليها شاعر الإغريق الشهير " هوميروس " اسم المدينة ذات المائة باب لكثرة ما بها من صروح عالية وبوابات شاهقة وتطورت المدينة عبر التاريخ حتى أطلق عليها العرب اسم الأقصر – أى مدينة القصور وذلك بعد أن بهرتهم بقصورها وضخامة مبانيها


إن مدينة الأقصر ظلت مقرا للسلطة فيما بين 2100 إلى 750 قبل الميلاد ومن هنا نعرف سر الرغبة التى يحسها الزائر لهذه المدينة الخالدة بآثارها الشامخة ذات الأعمدة الشاهقة على ضفتي النيل فى مدينة الأحياء على البر الشرقي حيث مشرق الشمس مصدر الحياة والنماء وفى مدينة الأموات على البر الغربى من النيل حيث مغرب الشمس مودعة الحياة فى مدار أبدى. وعلى الضفة الشرقية للنيل معبد الأقصر – معابد الكرنك – متحف الأقصر بينما على الضفة الغربية للنيل تمثالا ممنون – مقابر وادى الملوك والملكات – المعابد الجنائزية – مقابر الأشراف – مقابر دير المدينة .. ودير البحري ..))


توجهنا من مدينة قنا نحو الجنوب عبر الطريق المحاذي للنهر من جهة الشرق قاصدين مدينة الأقصر التاريخية ... التي تحوي كما يقال ثلث آثار العالم، آثار يرجع تاريخها إلى 4000 سنة ، والجدير بالذكر أني لم أبيت زيارة تلك الآثار في رحلتي بقصد الزيارة كما يفعل البعض ... وإنما كان مروراً بها على طريق الرحلة ... لماذا ؟ تلك الآثار يطلق عليها اسم معابد وهي كما يقال كانت معابد للفراعنة وبعضها قبوراً تعبد من دون الله لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تملك لنفسها أو لأحد ضراً ولا نفعاً ، لذلك لا يجوز أن تقصد للعبادة أو الاعتقاد أو التبرك بها ... ومع الأسف الشديد رأينا حتى من الأجانب وأقصد بهم الأوربيين والروس وغيرهم ... من يعظم تلك المعتقدات.

لا شك أنها ثروة تاريخية ومورد سياحي عظيم لمصر العظيمة ... ولكن كان ينبغي على الحكومة المصرية بحكم هذا البلد مسلماً أن توضح شيء من الإرشاد والتوجيه للناس.. حتى لو كان من خلال المرشدين السياحيين ... مفاده أن ما تحكيه الروايات حول تلك المعابد ما هو إلا إرث تاريخي ... لا يسير على نهجه العقدي شعب مصر المسلم.

ذكرت هذا الكلام لأني التمست من خلال معظم الأخوان هناك وخاصة الذين يوجهون السياح "المرشد السياحي" ... أنهم ينقلون صورة عن آلهة الفراعنة المزعومة وكيف أنها تضر وتنفع وأن ذلك حقيقي في وقته ... كإله الشر وإله الخير وإله الشمس ... وغير ذلك ... وكأنهم يوحون بتعظيم هذه الآلة والمعابد عقدياً ..

نعود لسياق الحديث ....

مررنا في مدينة الأقصر بآثار كثيرة لم نتوقع أن نراها بتلك الصورة ... وركزت في تقريري هذا أن أعرض لكم ثلاثة آثار هي الأكبر والأعظم هناك .. وهي

( معبد الكَرْنَك - ومعبد الأقصر - ووادي المملوك )

معبد الكَرْنَك ( الحصن )

يرجع تاريخ هذا البناء الأثري إلى 2000ق.م حوالي أربعة آلف سنة ... وقد هالني ما رأيته من بناء القصر وتشييده ... قد أعجز عن وصفه الوصف المناسب ... إلا أنه يمكنني أن أقول بأني رأيت أعمدةً ومسلات صخرية ضخمة تعجز رافعاتنا اليوم عن حملها ... قد نحتت من صخور صلبة وهي قطع كبيرة تصل أقطار بعضها إلى 4م وارتفاعها إلى أكثر من 20م .. وقد صنعت نحتاً بشكل هندسي دقيق زين بحفر ورسومات تحكي لغاتٍ غايةٍ في القدم ... والإعجاز الذي حير العالم هو مصدرها وكيفية نقلها.. فلا يمكن أن تكون من أرض مصر الرسوبية.. حيث لا أثر للجبال التي نحتت منها ... والراجح كما ذكر وقيل أنها جلبت من الجنوب عبر النهر ... ربما من السودان ... لكن يبقى كيف نحتت تلك الكتل وكيف نقلت وهي تزن مئات الأطنان ... ثم كيف وصلت سالمة وركبت مع بعضها البعض لتبين هذا الشكل الهندسي العظيم.



صورة جوية لمعبد الكرنك 2000ق.م ... لاحظ دقة التخطيط وضخامة البناء



قارن بين حجم الناس وضخامة صخور البناء



انظر الأعمدة الداخلية .. كل عمود قطعة واحدة .. نقش عليه ما يوحي بأنه مبني من صخور مرصوصة



لاحظ ضخامة العمود الواحد وكيف أنه قطعة واحدة وما يحيط به نقوش تعرت مع مر الزمن



حائط صخري ضخم زين بالنقوش والرسوم الفرعونية .. دقق النظر في كتلة الحائط التي تظهر خلف الرسم



تكسر هذا البناء مع مر الزمن إثر الزلازل التي تعاقبت على الأرض



مسلة عبارة عن قطعة صخر واحدة من الجرانيت ارتفاعها 37م عامود دائري من قطعة واحدة صخرية صلبة .. نقش عليه ما نراه كالبناء


وبغض النظر عن ما كانت ترمز له هذه القطع كالمسلة وغيرها ... هناك مسلات أخرى ... إحداها كسرت إثر حدث وبقية مرمية على الأرض ... والعجيب أنك إذا اقتربت من كتل الجرانيت تلك ... تجدها مصقولة بدقة خارقة ... قد تعجز الآلات الحديثة أن تصل إليها ... وفي ذلك احتار علماء الآثار في العالم.



صورة لجزء من المسلة التي كسرت ونلاحظ دقة قطعها ونقشها



وفي إحدى ممرات القصر يوجد هذا التمثال الذي لم يبقى منه إلا نصفه السفلي ...لاحظ كيف تستطع الشمس في دقة صقله ونحته ... ومن ضخامته أن الواقف لا يصل طوله إلى نصف ساقه.



عند مدخله الغربي الذي يفتح على النيل قديماً ... نشاهد هذا التمثال العظيم الذي نحت من صخرة واحدة ... وحوله العديد من التماثيل المشابه التي قيل أنها كانت ترمز إلى القوة وبسط النفوذ





تماثيل أخرى عديدة في الفناء الداخلي





لاحظ كيف ربط المبنى من الأعلى بصخور عملاقة ... وكيف أن بعض الألوان مازالت موجودة منذ 4000 سنة



لاحظ في الخلف هندسة البناء في أعمدة السقف المصطفة على مستوى أفقي ثابت



جانب آخر من الداخل .. تتجلى فيه روعة الإبداع في البناء والنقش على هذه الكتل العملاقة



صورة توضح كيف أن هذا الحائط صخرة واحدة ... وهذه النقوش أشكال الحجارة ما هي إلا جزء من ذلك الصخر



أحد التماثيل في الفناء الداخلي



لافته وضعت عند مدخل القصر "المعبد" توضح ماهيته وعمره وعصره القديم


معبد الأقصر

أمضينا جولة ممتعة في معبد الكرنك خرجنا بعدها إلى معبد الأقصر الذي يقع جنوباً منه وهو بناء لا يقل في روعته وجماله عن سابقه .. وأترككم مع هذه الصور التي تأخذنا إلى هناك.



صورة جوية لمعبد الأقصر ... ولاحظ اقترابه من مجرى النهر



الصورة الأولى للواجهة الشمالية الشرقية من المبنى .. لاحظ ضخامة البناء وأحجام التماثيل



من أمام المدخل وتظهر الأعمدة عظيمة الحجم في الداخل





بعد الدخول نلاحظ كيف أن هذا المبنى اختفت بعض أجزائه العلوية مع مر العصور إثر الزلازل والسرقات التي تعرض لها





تقف الأبصار حائرة أمام ضخامة البناء وهندسة التصميم





بعض الأواني الحجرية التي يعجز الشخص والشخصان عن حملها

وادي الملوك
بعد أن تجولنا في معبد الأقصر المترامي الأطراف .. خرجنا منه لنتوجه نحو الضفة الغربية من النهر في مدينة الأقصر التي يطلق عليها البعض مصطلح الغرب .. لننظر إلى ما هو أعجب وأغرب من تلك المعابد .. إلى وادي الملوك
وأعود معكم للوراء قليلاً .. عندما ذكرت لكم بأن نهر النيل تحاصره من جهتي الشرق والغرب مرتفعات رسوبية عبارة عن هضبتين تنحدر نحو النهر بشدة وتتراجع في الاتجاه المعاكس ببطء حتى تضيع في مستوى السطح العام ... وهذه المرتفعات الرسوبية ما هي إلا رواسب قديمة نتجت عن إرسابات النهر أثناء فيضانات تعاقبت عليه على مر العصور والأزمان ... وهذه الإرسابات حوت كنوزاً وآثاراً قديمة تحتها ... وما نراه في وادي الملوك هو خير مثال على ذلك ... كما بدا لي ...
فوادي الملوك عبارة عن مقابر وبناء ونقش حجري يقبع تحت الأرض حتى تم اكتشافه من قبل هيئات الآثار وتم حفر مداخل تلك المواقع ليخرج ذلك الكنز المدفون المحفوظ بألوانه وروائعه القديمة التي تعود إلى ملوك الفراعنة ... وقد يعتقد البعض أن تلك الآثار صغيرة أو سطحية ... بينما ستذهل من يجتاز بواباتها بما سيشاهده وبما سيقطعه من المسافة سيراً تحت الأرض ... والتي تزيد في بعض تلك المدافن عن 100م ... والجدير بالذكر أن الحكومة لم تكتشف ولم ترفع النقاب إلا عن جزء يسير من الكنز المدفون.
ووادي الملوك عبارة عن وادي قاحل صغير يشق تلك المرتفعات الرسوبية الغربية لنهر النيل غرب مدينة الأقصر .. يعجز اللسان أن يوفي ما يحويه حق وصفه وذكره ...
وصلنا وادي الملوك عصراً وهو قريب جداً من الطرف الغربي لمدينة الأقصر ... حيث لا يبعد أكثر من 8كم ... وقد وصلنا إليه بسيارتنا ... وكان الدخول سهلاً وغير ممتنع ... فالعربي يدفع رسماً مقداره أربع جنيهات فقط ... أما الأجنبي وأقصد به غير العربي فيدفع رسماً مقداره 100 جنيه ... وفي ذلك بادرة جميلة من الحكومة المصرية ... حيث تجلت روح العروبة لديهم وأظهرت تقديم العربي على غيره من غير العرب.
ولكن ما كدر خاطري هو منع التصوير هناك.... فعند البوابة وجب علينا وضع كاميرا الفيديو في صندوق الأمانات ... وسمح لنا بإدخال كاميرا التصوير الرقمية ... بشرط التصوير خارج المعابد وخارج الآثار ... أي تصوير المرتفعات وبطن الوادي ... الأمر الذي حز في نفسي كثيراً لا سيما وأنا قد قطعت آلاف الكيلومترات وأقف على شيء مجهول للكثير أحب أن أنقله للآخرين ... وحاولت أن أعرف السبب وقالوا : "الحكومة بدها كدا" والبعض قال : من أجل المحافظة على الألوان داخل الآثار فالفلاش قد يبهتها مع الوقت . فلما سمعت ذلك التمست لنفسي عذراً ... حيث أني أحمل كاميرا تصوير تحوي نظام التصوير الليلي المتطور ... الأمر الذي دفعني بالأخذ بقاعدة ( من كان له حيلة فليحتل ) والدمج بينها وبين قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) ... ولا شك أن في ذلك مخالفة للأنظمة الصارمة التي تنص على مصادرة الآلة وغرامة مقدارها 1000 جنيه كما أخبرنا بذلك أحدهم... ولكن سألت الله التيسير والستر بعد انتفاء سبب المنع عندي ... فأبدلت شرائح الذاكرة بأخرى جديدة حتى لا يصادر منا ما سبق إذا احتدم الأمر ...
وبفضل من الله تمكنت من أخذ العديد من الصور ... في وسط شابه استغراب وتعجب من السياح الأجانب الذين هم أكثر ولعاً منا في الحصول على مثل تلك الصور ... حتى أن البعض منهم كان ينظر إلي وهو يستفهم بيديه ... كيف ... ولماذا ... مع مراعاتي الشديدة لمشاعرهم بإخفاء الآلة ... في جو يقوم فيه الزميل خالد بالتغطية باللهجة المحلية النجدية التي يعجز العربي من غير بلادنا فهمها ... مثل دير .. افهق ... اقحص ... انهج ... ...
وأعتذر عن ذلك التصرف كل الاعتذار
تلك المقابر كما تسمى أو المعابد أو المدافن ترجع في تاريخها كما ذكر ذلك المؤرخون والحكومة المصرية إلى عصر الفراعنة الذين تعاقبوا على حكم مصر وحكم أرض النيل ...
أترككم مع تلك الصور ومع بعض التعليق المختصر


صورة جوية توضح موقع وادي الملوك وسط تلك الهضبة الرسوبية .. لاحظ تلك المستطيلات التي هي بوابات الدخول لما هو تحت الأرض



بوابة الدخول حيث الرسوم وحجز آلات تصوير الفيديو



المداخل التي بنتها الحكومة بعد التنقيب عن المقابر أسفل الكتل الرسوبية .. لاحظ طبيعة الأرض التي يغلب عليها الحجر الرسوبي



صورة من جانب آخر قبيل الدخول نحو ما كان من المجهول

سأعرض الآن بعض الصور من الداخل وأرجو المعذرة فلم أرتب المداخل حسب طريقة السير ... وإنما اكتفيت بصور من ثلاثة مواقع تحت الأرض فقط ... وأعتذر عن نسخ شعار "نهاية الرحلة" مكرراً في هذه الصور ... وليس القصد من ذلك عدم رغبتي في استعارة أو نسخ هذه الصور ... بقدر ما هو مختص بعدم شرعيتها ... لذلك لم أرغب أن يستعين بها أو يستخدمها أحد في أمر إعلامي أو بحث علمي أو ما شابه ... لأني لا أملك أحقية نشري لمثل تلك الأمور بسبب منع تصويرها وحصولي عليها بطريقة غير مشروعة. لذلك أرجو المعذرة



صورتين لإحدى ممرات المقابر تحت الأرض تعود إلى أحد الفراعنة .. رمسيس الرابع كما ذكر ذلك ... لاحظ تلك النقوش على الجدران الصخرية الصلبة وتلك الألوان بقيت على حالها بسبب حفظ هذا المكان لها تحت الأرض ... طول هذا الممرر يزيد عن 50م وفي الداخل يوجد قبر وتمثال ... لم أتمكن من تصويره بسبب كثافة الناس ومراعاة لمشاعرهم ...



صورة مقربة ... تظهر زهوة الألوان التي مضى عليها آلاف السنين ..



جانب آخر تتجلى فيه رسومات يعتبرها البعض لغة الكتابة عند الفراعنة



في موقع آخر لمقبرة أخرى تحت الأرض لاحظ طول هذا الممر الذي يصعب تقديره ... فانا ألتقط هذه الصورة من منتصفه وهو يتدرج في ثلاث مراحل نحو الأسفل



صورة من الداخل ... انظر تلك الرسومات التي تعبر عن أمور لدى أصحابها ...



قد يرى البعض في مثل هذه الرسومات جمال لا يدركه البعض الآخر ... ففيها يتجلى البعد الزمني بين الحضارات



يعتقد البعض أن هذه المقابر محفورة في هذا الوادي الرسوبي ويعتقد البعض أنها مبنية من الحجر كالمعابد في الأقصر ومطمورة تحت الإرساب



تأمل وتعجب لما تراه



صورة من موقع آخر لإحدى تلك المقابر الأثرية



انظر كيف ترى كثافة النقوش والرسوم وتناسق الألوان والأحجام في هذا الممر الطويل الذي نهايته تمثال حجري ضخم .. لم نتمكن من تصويره لسبب ما



قد تحتاج هذه الرسومات كغيرها ... لقارئ تأريخي متمكن ليفسر رموزها وحكاياتها

بعد ذلك خرجنا من وادي الملوك ... وأخذنا نتجول حوله لاعتقادنا بأن تلك المنطقة الرسوبية لا تخلو من الآثار المدفونة ... وفعلاً كان عند حسن اعتقادنا ... ففي زوايا كثيرة منه تظهر تلك المباني الحجرية القديمة ... حيث انكشفت عنها الرواسب بفعل عوامل التعرية ... وأخرى بفعل التنقيب والبحث ... بل وجدنا قرية كاملة تسكن فوق قرية فرعونية مدفونة تسمى دير المدينة... بعض ساكنيها كانوا يستعملون ما خرج لهم من الأرض من تلك المباني ... ووجدنا بأن تلك القرية تحت عملية إزالة كاملة وترحيل لسكانها ... بعد تعويضهم بشقق سكنية متواضعة في مكان آخر بعد أن كانوا يسكنون على كنز عظيم من الآثار الحقيقية ... ووجدنا بعض المساكن مازال أهلها يقطنونها وينتظرون دورهم في هدم منازلهم وهم قلة ..
ومن العجائب أن الفضول حملنا إلى التعمق هناك ... وفعلاً خرجت من الطريق المسفلت مستخدما الدفع الرباعي وهذا نادر عندهم ... وتوجهت مباشرة نحوها ... وقد كانت آلات الهدم تعمل وهناك حراسة مشددة " شيخ الغفر" أو ما يسمى بالخفير ... تمنع دخول المنطقة ... وما علمنا بذلك إلا ونحن نقف قرب غرفة الحراسة التي تبعد عن الطريق الرئيسي قرابة نصف كيلومتر ... وإذا بهم يهرعون نحونا متسائلين ... فسبقناهم بقولنا - "صلحوا لنا كباية شاي ثقيلة"- لعلمي بطيبة ذلك الشعب الرائع ... فما كان منهم إلا أن قالوا : "تفضل يابيه" ... ثم سألونا كيف دخلتم ومن أين جئتم ... فقلنا من بلاد الحرمين ... وكيف جئنا ؟ من هناك ... فلما علموا أننا من المملكة العربية السعودية .... رحبوا بنا من جديد أهل بكم شرفتوا مصر يابيه ... .. وتعجبوا من وصولنا إليهم بل إنهم قالوا بأنه لم يسبق لهم أن رأوا سيارة سعودية تصل إلى هناك ... وكانوا غاية في الطيبة والكرم ... وفعلاً قاموا بإكرامنا ونسوا أن يخرجونا من المنطقة المحظورة ... فقمنا بالتصوير هناك ... وجلسنا نتبادل الحديث قرابة ساعة تقريبا حتى أصبح بيننا وبينهم كما يقولون " عيش وملح " ً .. وقد شكوا لنا سوء أحوالهم وضيق عيشهم الذي بدا لنا جلياً في كثير من أنحاء مصر ... حيث لا يتقاضون على عملهم الذي يستغرق 12 ساعة يوميا سوى 280 جنيها مصرياً أي ما يعادل 190ريال فقط والله المستعان ... ... ودعناهم بحرارة وانصرفنا ...
وإليكم صوراً من ذلك الموقع " دير المدينة " وبعض ما يرى حوله من آثار



انظر إلى هذا التل الواقع في دير البحري ... خروج وبروز تلك البنايات الحجرية تحت ركامه



سيارة محدثكم وهي تقف عند موقع الحراسة ... وأحدهم يعد الشاي بعد أن صعدنا عند غرفة حراسة أخرى فوق التل لالتقاط بعض الصور



التل وعليه غرفة الحراسة التي شربنا فيها الشاي وتمتعنا بجمال المنظر وبصحبة أولئك الكرام



منظر من جانب الغرفة ونشاهد فيه سهول النيل الفيضية وخلفها نحو الشرق المرتفعات الشرقية التي تحاصر الوادي شرقاً



أحد المعابد نحو الجهة الغربية من موقعنا وهو معبد حتشبسوت الذي يقابل معبد الكرنك ويشاهد منه رغم بعده عنه



صورة من المكان لمعبد رمسسيوم



صورة لما يعتقد أنه مخازن الغلال في معبد رمسسيوم



صورة لتمثالا ممنون جوار الطريق
في الواقع أننا لم نشاهد إلا اليسير مما تختزنه مدينة الأقصر العظيمة ... ولمزيد من المعلومات حول الآثار هناك جعلت هذا الرابط لمن يرغب التزود ...
أهم الآثار الفرعونية بمدينة الأقصر

خرجنا من مدينة الأقصر ثم تجولنا في إحدى القرى بمدينة اسنا لنشاهد حياة الناس على طبيعتها حيث البساطة والحياة اليومية ... وقد سعدنا بمن قابلناهم وقابلونا ... تزودنا بعد ذلك بالماء والعصير لنواصل سيرنا نحو الجنوب ... نحو أسوان ... المرحلة الثالثة من الرحلة.




* * * * * * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق