محمود شكوكو و الأراجوز
ولد محمود ابراهيم اسماعيل موسى يوم 1مايو 1912 (نفس عام مولد إسماعيل ياسين) بالكحكيين بحى الدرب الاحمر بالقاهرة، بدا حياته نجارا مع والده وظل يعمل معه حتى سن العشرين من عمره ... و اكتسب لقب شهرته شكوكو من ابيه الاسطى ابراهيم شكوكو.
و على الرغم من نشأته وسط اسرة كبيرة، 14 أخا و أختا، بالإضافة إلي عدم إكماله لتعليمه، و عمله منذ صغره في ورشة النجارة الخاصة بوالده. فإنه بدأ مشوار الفن من نقطة الصفر، وتخطي صعابا كثيرة حتي أصبحت شهرته تضاهي كبار الممثلين الذين كان يعمل معهم في أدوار ثابتة بالسينما. و وصل عشق البسطاء له إلي درجة الانتشار غير العادي للتماثيل ولعب الأطفال التى إرتبطت بشكوكو.
و قد اثبت شكوكو انه رائد فن المونولوج الكوميدي الاجتماعي الهادف، و قد ادخل البهجة والسرور علي قلوب الملايين ولاتزال اعماله شاهدا علي موهبته التي لا يستطيع أحد ان ينكرها.
كانت ورشة النجارة يجاورها مقهي بلدي تجتمع فيها يوميا في المساء احدي الفرق الموسيقية من شارع محمد علي لإجراء البروفات وضبط الآلات ... وفى هذا الوقت كان شكوكو عمره خمسة عشر سنة، الا أنه نجح فى تكوين صداقات قوية مع اعضاء هذه الفرقة، و كان يصاحبهم يوميا بعد انتهاء عمله في الورشة إلي كل مكان يذهبون اليه.
كان معجبا بالأغنيات الشعبية والمنولوجات الكوميدية التي كانوا يقدمونها, وكان يدفع كل ما يحصل عليه من عمله في الورشة مقابل مصاحبة هذه الفرقة والسماح له في بعض الأحيان بإلقاء بعض الأغاني البسيطة الساخرة التي حفظها. و بمرور الوقت اشتهر واصبح يرتجل النكت والفكاهات اثناء القائه هذه المونولوجات. و كان اجره في الفرح 20 قرشا يوميا.. ومع, مرور الوقت اصبح اشهر اعضاء هذه الفرقة واخفهم ظلا. فقد كان يتعمد الدخول في حوار كوميدي مع المعازيم حتي أنهم كانوا يطلبونه بالاسم.
ثم إحترف شكوكو بعدها العمل في مجال الفن، وكان ذلك بعد أن شاهده الفنان القديم علي الكسار في إحدي الحفلات وصمم علي ضمه لفرقته، حيث ادخل عليها لأول مرة نظام القاء المواويل والفكاهات والمونولوجات بين فصول الأعمال التي تؤديها الفرقة، و التى اسندها الكسار لمحمود شكوكو. و ذاع صيته واصبح مطلوبا بالاسم في كل الحفلات الخاصة في مختلف المناسبات وكذلك الأفراح.
كان كل ذلك دافعا له لتكوين فرقة استعراضية يكون فيها هو البطل، وشاركته في هذه الفرقة الفنانة سعاد مكاوي والفنانة ثريا حلمي ... و كانت هذه الفترة من الفترات الجميلة جدا في حياة محمود شكوكو الفنية، وقدم خلالها أجمل اعماله والكثير من منولوجاته الشهيرة التي كان يقصد بها مناقشة الأزمات الاجتماعية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت. و قد شاركة فى بعض المونولوجات رائد أخر من رواد هذا الفن و هو الفنان إسماعيل ياسين.
و من هذه الأعمال: ورد عليك، الإشاعات, الساعة كام, قارئة الفنجان, حموده فايت يا بنت الجيران, عشرة طويلة, امسك الخشب, شكوكو واوا ... و غيرها من المونولوجات. و قد شجعه نجاح هذه الأعمال ونجاح الفرقة التي كونها لأن يستأجر سينما كليبر الموجودة في شارع فؤاد بوسط البلد، وقام بتحويلها إلي مسرح يحمل اسم فرقة محمود شكوكو الاستعراضية.
و قد قدم علي هذا المسرح عدة أعمال مسرحية استعراضية, لاقت نجاحا كبيرا. وشاركه في هذه الأعمال مشاهير الفنانين في ذلك الوقت من عمالقة الكوميديا اصحاب الدم الخفيف. و من هذه الأعمال السندباد البلدي، بالإضافة إلى المسرحيات التي شارك فيها مثل: موال من مصر, مصر بلدنا, و مسرحية زقاق المدق لكاتبنا الكبير نجيب محفوظ وأخيرا الزيارة انتهت.
ثم بدأ مشواره السينمائي بفيلم حسن وحسن، وهو من إخراج الراحل نيازي مصطفي. ثم أصبح كل المخرجين الكوميديين يضعون اسم شكوكو أولا والدور الذي سيلعبه قبل اختيار بقية عناصر الفيلم، وكانت في الأغلب شخصية ابن البلد المرح صديق بطل الفيلم ... كما أن بعض هذه الأفلام كانت له البطولة المطلقة مثل: عنتر ولبلب, ظلموني الحبايب، ليلة العيد، ظلموني الناس، طلاق سعاد هانم، البريمو، السر في بير، الأسطي حسن، عروس المولد.
وفي خلال فترة زمنية تعتبر قياسية وصل عدد الأفلام السينمائية التي شارك فيها إلي نحو 100 فيلم سينمائي لاقت معظمها نجاحا وإقبالا جماهيريا. وحتي الآن عندما تعرض هذه الأعمال يقبل عليها الكثير من المشاهدين علي الرغم من تكرار مشاهدتها من قبل.
في فترة من الفترات سجلت مونولوجاته نجاحا طغي علي الكثير من الأعمال الفنية الأخري، ومن هذه الفترات فترة تقديم المونولوج الفرانكو آراب ... و أشهر هذه الأعمال مونولوج "أشوف وشك تومورو" و "حبيبي شغل كايرو" و "مفيش في القلب غيره".
و كان يؤدي هذه الأعمال بالزي الشعبي الذي اشتهر به كشخصية كاريكاتورية أعطته طابعا مميزا إنفرد به، و كانت من إبتكاره الشخصي. مثل إرتداء الجلباب البلدي المخطط والطاقية الشهيرة بالزر الذي يتدلي منها ... حتي أن هذه الملابس أصبحت تلازمه ويتنقل بها حتي في أغلب سفرياته، ومنها رحلته الشهيرة إلي المانيا التي لاقت نجاحا كبيرا وكتبوا عنه في الصحف هناك أنه شارلي شابلن العرب ... و لكنه لم يفرط بعد عودته في لقبه الذي كان يفضله بأنه شكوكو العرب.
و يحسب لمحمود شكوكو أنه أول من أدخل فن الأراجوز علي المسرح، واستخدم خلال تقديمه لهذا الفن عرائس المارونيت. ومن الأسرار التي قد لا يعلمها الكثير أنه هو الذي كان يقوم بتصنيع هذه العرائس بيديه استغلالاً لخبرته في النجارة خلال صباه. حتي أن السفير الروماني عندما شاهده علي المسرح يقدم هذا الفن اعجب به جدا وقدم له دعوة لزيارة رومانيا للدراسة والإطلاع علي هذا الفن بصورة أعمق. وبالفعل سافر شكوكو وأحضر معه بعد عودته الكثير من الأسس والأفكار المتطورة التي ساهمت في تأسيس مسرح العرائس في مصر, وقدم بعد ذلك أوبريت الليلة الكبيرة التي تم تنفيذها بناءاً علي هذه الدراسة التي قدمها شكوكو وقام بوضع خبرته فيها.
و عن أشهر الصفات التي كان يتميز بها الفنان المتعدد محمود شكوكو، انه لم يبخل بأي صورة من الصور علي فنه. بذل من أجلة كل ما هو غال، وانفق علي أعماله ببذخ متناه. كان يتعامل مع كبار المؤلفين ليكتبوا له المونولوجات، وكذلك كبار الملحنين المشهورين في ذلك الوقت.
كتب له بيرم التونسي وفتحي قورة ولحن له منير مراد وزكريا أحمد وفريد الأطرش و الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي قام بتلحين مونولوج "يا جارحة القلب بقزازة لماذا الظلم ده لماذا" مما يدل علي أنه كان فنانا يحترمه ويقدره الجميع، بل و ساعدوه علي نبوغ موهبته حتي أنه قدم نحو 400 مونولوج وموال لاقت كلها نجاحا يجعله، بلا جدال، المؤسس الأول لفن المونولوج الكوميدي الهادف.
محمود شكوكو على المستوى الإنسانى والأسرى
كان صاحب قلب حنون علي أولاده الثلاثة، سلطان ومنيرة و حمادة، لأقصي درجة، وكان يعطف عليهم بقلبه وعواطفه. ولم ينشغل عنهم ابدا علي الرغم من طبيعة عمله وانشغاله، وقضائه لأوقات طويلة خارج المنزل لإعداد أعماله والتجهيز لها وعمل البروفات. إلا أن كل ذلك لم يمنعه من الحرص و التواجد بالمنزل وسط عائلته واجتماعه بالأسرة كلها وقت الغداء وكذلك العشاء، و التى لم يكن أحد يستطيع لأي سبب من الأسباب أن يتخلف عن مواعيد هذة الوجبات المحددة بدقة.
وكانت نشأته وسط الأحياء الشعبية، والتربية والأصول التي تعود عليها، وطباع أبناء البلد المشهورين بالشهامة قد جعلاه يفصل تماما بين عمله في الوسط الفني وبين قدسية منزله وأهل بيته. فكانت كل مواعيده ومقابلاته مع اصدقائه وزملائه من أهل الفن تتم بعيدا عن المنزل. وعندما يكون غير مرتبط بأي عمل أو مواعيد كان يفاجئ كل أفراد الأسرة برحلة ترفيهية مثلاً. وكانت تتسم علاقاتة و حواراتة مع أسرتة بقفشاته وخفة ظله وضحكاته مع ابناءه ونكته الجميلة التي مازالت صداها في أذهانهم جميعا.
ومن المواقف الطريفه التى صادفها هو عندما تم ترشيحة لجائزة لدولة التقديريه من الرئيس انور السادات على رحلة عطائه وفنه طوال الخمسون عاما. ففرح بالطبع بهذه الجائزة فرحا شديدا وظل طوال الأيام السابقه لأستلام الجائزة يقوم بتحضير بعض الكلمات التى يشكر بها الرئيس. ولكن عندما صعد ليستلم الجائزة ويسلم على الرئيس ضاعت منه الكلمات التى حفظها وارتبك ... ولكن بخفة دمه المعتادة وارتجاله قال له ساعة ماشوفك يروح منى الكلام وانساه. مما جعل الرئيس يحضنه ويضحك و الحضور صفقوا كثيرا وانفجر الجميع فى الضحك وهنأه الرئيس وقبله.
كانت اكبر امنيات شكوكو طوال عمره ان يظل يعمل حتى اخر لحظة فى عمره، وقد حققت له امنيته فظل يعمل حتى فاجأته ازمة صحية، وهو يعمل فى مسرحية الزيارة الأخيرة، نقل على اثارها إلى المستشفى وظل بها اياماً قليله ثم وافته المنيه فى 21 فبراير 1985 عن عمر يناهز 73 عاما ..
رحم الله محمود شكوكو ... شكوكو العرب كما كان يحب ان يسمى.
لقد ترك لدى كل من محبيه صورة رائعة من البسمه والحب وصورة لابن البلد وترك بصمه فى قلوب الكبار والصغار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق